الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كذب الطفل وكيفية معالجته

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإخوة الكرام حفظكم الله وبارك فيكم، وبعد:

ابني يبلغ الرابعة عشرة من عمره وهو معروف بحسن خلقه وأخلاقه وملتزم وله من الصفات الجيدة كالهدوء ويكتم غيظه ولديه خجل محبب كشاب في عمره، وأنا أحبه جداً وأشعر بأنه حنون جداً نحوي ونحو إخوانه ووالده وكنت دائماً أعتبر الصدق عنده شيء مهم جداً ووالده كذلك، ولأجل ذلك أسرعت بالكتابة إليكم راجية من المولى -عز وجل- أن تجيبوني بالسرعة الممكنة، فالبارحة وهو يوم الجمعة ذهب والده إلى العمل وقال له كعادته: لا تنس أن تذهب إلى المسجد من أجل الصلاة؛ لأنه من عادة ابني في ذلك الوقت أن يلعب الكرة مع أصدقائه، ولهذا يشدد والده عليه بألا ينس، ولدى عودته كنت قد سألته إذا كان قد أدى الصلاة في المسجد فأجابني بنعم وهكذا تابعت عملي في البيت ولدى عودة والده مساءً من العمل سأله فأجابه كما أجابني.

وكان للصدفة والده لديه فترة إجازة قصيرة في العمل فاستغلها للذهاب إلى نفس المسجد الذي كان من عادته وابني الذهاب له وهو القريب من الحي الذي نسكنه وصلى هناك.
فعندما أجابه ابني بنعم قال له والده: أنت غير صادق وهكذا دار بينهما حديث يتعلق بهذا الأمر واكتشف من خلاله كذب ابني بأنه لم يذهب، وعندما جلست معه سألته: لماذا كذبت؟ فقال: علشان لا تزعلوا، ووالدي يصرخ بي؟ والمعروف أن والده بحياته لن يضربه على أخطائه إنما يؤنبه ويتحدث معه بعد ذلك بروية، ويفهمه الأمر، وهو والد ممتاز له ولإخوانه وأنا كذلك أحببت ذكر ذلك ربما تحتاجونه في الإجابة.

فأنا أتساءل لماذا كذب ابني؟ وما هي الطريقة الأمثل لتعليمه عدم الكذب؟ وأنا لا أقصر بتعليمه ذلك والخشية من الله في الدرجة الأولى.

أرجو من الله أن ينير بصائركم ويرزقكم رؤية الحق وأنا بانتظار ردكم الشافي بإذنه تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة / السائلة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية نعتذر -لأختنا الكريمة- نظراً لكثرة مشاغل شهر رمضان المبارك، ونعدك بأننا لن نتأخر في الرد عليكم مستقبلاً إن شاء الله، سائلين الله لكم التوفيق والسداد وصلاح النية والذرية

الأخت الكريم الفاضلة، كان الله في عونك، وثبتك على الحق، فأنا حقاً مقدر ظروفك، ومتعاطف معك في تأثرك بموقف ولدك حفظه الله، ولكن الذي أزعجني هو شدة تأثرك إلى هذا الحد، رغم أن الذي حدث أمر عارض وسوف يزول سريعاً بإذن الله إذا نحن لم نظل نذكره به لأن التربية الطيبة الصالحة لا تضيع هباء منثوراً بين عشية وضحاها، وما حدث لا يعدو أن يكون حدثاً بسيطاً يسهل تداركه بشيء من الحكمة والتعقل، وعدم التوبيخ أو الإهانة أو السب أو غير ذلك، لذا أحب أن أطمئنك بداية بأن هذا التصرف طبيعي جداً في مثل هذه السن، وأنه يحدث من الأولاد مهما كان مدى حرص الوالدين على عدم حدوثه، ولكن دعينا نشخص هذا النوع من الكذب، ولماذا حدث ثم نقدم له العلاج النافع إن شاء الله؛ لأن معرفة أسباب السلوك هي أهم عوامل العلاج النافع والمفيد .

الكذب الذي وقع من ولدك هو أحد أنواع الكذب الثمانية التي توصل إليها علماء النفس، ولعل ما حدث يشترك في نوعين من أنواع الكذب وهما:

1- الكذب الدفاعي، أو الوقائي،

2- الكذب لمقاومة القسوة والسلطة.

وهذا هو تحليل من وجهة نظري بعد الاطلاع على رسالتك، فالكذب الوقائي يلجأ إليه الطفل، أو الشاب الصغير عادة لكي يفلت من العقاب أو التأنيب والتوبيخ، وهو أكثر أنواع الكذب شيوعاً بين الأطفال، وكلما أزداد الخوف من العقاب كلما ازداد نزوع الأطفال إلى الكذب الدفاعي، طبعاً أنت تدافعين عن زوجك بأنه مثالي لا يعامل أولاده بقسوة، وهذا في حد ذاته شيء طيب، ولكن مجرد التأنيب أو اللوم الشديد يعتبره الولد أحياناً من أشد أنواع العقاب، وهذا الذي يحدث عندكم في نظري، لذا أنصح بضرورة تغيير هذا الأسلوب بالتخفيف من لغة العتاب أو اللوم حتى لا يضطر الولد إلى اللجوء إلى الكذب مرة أخرى ما دام يخاف من عقاب الوالد .

أما النوع الثاني : فدافعه هو نفس دافع النوع السابق من الخوف من قسوة الكلام أو العقاب، والطفل في مثل هذه الحالة يبدو كالملاك رقيقا كالنسيم، يستسلم -ظاهرياً- لأوامر ونواهي السلطة الوالدية، فهو يحاول أن ينفذ أمام أعينهم كل ما يطلبانه ويأمرانه، ولكن حينما يتحرر من هذه السلطة يفعل ما يحلو له محاولا استنشاق عبير الحرية المسلوب، لذلك لزم التنويه بضرورة التخفيف -قدر المستطاع- من حدة القيود والسلطة الأبوية.

وأخيراً العلاج:

1- يجب توضيح الأسس التي تقوم عليها العلاقات بين الأفراد بحيث يدرك الطفل الحدود الصحيحة للحقوق والواجبات حتى لا يلجأ إلى الكذب الذي يحاول فيه -بحسن نية- أن يساعد الآخرين.

2- التسامح مع الأطفال في بعض المواقف مع شرط إعطائهم الفرصة لتصحيح ما يقعون فيه من أخطاء غير مرغوب فيها.

3- ألا يسمح للطفل بأن يفلت من كذبة، بل يجب أن نعلمه أننا أدركنا سلوكه، ونعطيه الفرصة لتجنب الكذب مرة أخرى، حتى لا يتدعم سلوك الكذب لديه كوسيلة لتحقيق رغباته، أو للتخلص من المآزق التي قد يقع فيها.


4- عدم اللجوء إلى العقاب الشديد؛ لأن الخوف من العقاب من أهم الدوافع إلى الكذب، وأن العقاب إذا حدث يكون عقاباً معتدلاً يتناسب مع نوع الخطأ، وأن يعرف الطفل الأسباب التي أدت إلى اتخاذ القرار بعقابه.

5- لا بد من استخدام الأسلوب العلمي في حل المشكلة، وذلك بالبحث أولاً عن أسبابها ودوافعها، ووضع العلاج المناسب لكل حالة على حدة.


6- يجب أن يشعر الطفل بأنه يعيش في بيئة مرنة ومتسامحة، فنعوده دائماً على المحبة والتسامح.

7- يجب على الآباء أن يكونوا أوفياء إذا قطعوا عهداً أو وعداً مع أطفالهم.

8- لا بد أن نتيقن أنه لا فائدة ترجى من محاولة علاج الكذب بالعقاب أو الزجر أو التهديد، لأنها لن تروع الطفل بل قد تسبب أعراضاً أخرى غير الكذب.

مع تمنياتي لكم بالتوفيق في علاج المشكلة بصورة نهائية وموفقة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر ورد

    انا ارى ان العقاب الشديد ضرورى فى بعض الاحيان لان الطفل لا يدرك ما يفعلة والاسرة او بلاخص الام والاب هما اول مسئولان عن الطفل وهزا هو راى

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً