الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ساءت علاقتي بزملائي بسبب تلعثمي وخوفي.. أرجو التوجيه

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في بداية الأمر ترددت كثيراً بالاستشارة النفسية؛ وذلك لاعتقادي أن ما يحدث لي طبيعي، لكن مع الوقت بدأت ألاحظ أن الأمر غير طبيعي، ولعلي أجد لديكم الاستشارة المناسبة.

أنا شاب أبلغ من العمر 31 سنة، كنت في السابق موظف علاقات -خدمة عملاء- لمدة 6 سنوات، وكنت متفوقا بعملي ومتحدثا جيدا، وقدوة في مواجهة الجمهور، وحل المشاكل.

أصبت قبل ستة أشهر وبشكل تدريجي ببعض من التخوف أثناء التخاطب مع الناس، مع التلعثم الخفيف في الكلام، مع وجود تسارع في نبضات القلب، وشعوري بأنهم لا يثقون بكلامي، وعدم المقدرة على التركيز أو الفهم أحياناً، وكنت أظن أن الأمر طبيعي، وأصبح الأمر في ازدياد، وتطور إلى أنني أصبحت أخاطب جميع من أخالطهم من زملاء وأصدقاء خارج العمل بنفس الطريقة، وأصبحت لا أثق في قدرتي على المخاطبة مع الناس جميعاً.

وتسببت مشكلتي في سوء علاقاتي مع الزملاء، وتطور الأمر بشكل ملحوظ، وأصبحت أتهرب حتى أصبحت لا أتقن العمل بالشكل المطلوب؛ مما أدى إلى الاستغناء عن خدماتي بالعمل، حاولت إكمال دراستي الجامعية، ولكني لم أستطع، ولم أجد مقدرة في التركيز أثناء المذاكرة، وتركت الدراسة، مع العلم أني كنت في السابق من المتفوقين بدراستي.

أعمل حالياً سائق تاكسي، أصاب أحياناً بالإحباط، ولا أذهب للبحث عن الرزق هرباً من مواجهة الناس، والحديث معهم في السيارة، وخاصة النساء وأكون بحالة ارتباك شديد أثناء الكلام معهم عكس ما كنت عليه بالسابق، وأحياناً أتأقلم، ولكن ليس كما في السابق، أما الآن فأنا لا أختلط مع الناس هرباً من المخاوف والتخيلات الفكرية التي تراودني أثناء الجلوس معهم، واعتقادي بأنهم يعلمون ما أصابني، مع يقيني أنها غير صحيحة، ولكن الأفكار تسيطر بداخلي، ولم أستطع التغلب عليها.

أرجو توجيهي بعلاج لمثل حالتي التي لا أعلم تصنيفها، والله المستعان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله لك العافية والشفاء.
أنت كنت متفوقًا ومنفتحًا جدًّا من الناحية الاجتماعية، ولديك مهارات، وكنت تؤدي عملك في خدمة العملاء بصورة ممتازة، ثم بعد ذلك حدث ما حدث، أنت من الواضح الآن أنك تعاني من قلق المخاوف ذي الطابع الاجتماعي، أي أنك تعاني من رهاب اجتماعي بدأ يظهر عليك في شكل عدم ارتياح في حالة المواجهات الاجتماعية، وميلك للتجنب وللابتعاد.

أخي الكريم: ربما يكون المسبب أنك قد تعرَّضت لموقفٍ كان فيه شيء من الخوف أو الرهبة، إمَّا في الصِّغر أو في أثناء عملك في خدمة العملاء، وقد تكون لم تُلاحظ هذا الأمر أبدًا؛ لأنها تجربة ظرفية في وقتها، وهذه التجربة السلبية تكون ترسَّبت لديك وظهرت الآن في شكل خوف أو رهاب اجتماعي، والحمد لله تعالى هو من درجة بسيطة، وقطعًا الرهاب يُحاصر الإنسان جدًّا، ويستحوذ عليه ويُملي عليك خوفًا سلبيًا، ويهز ثقتك بنفسك.

لا، الأمر في غاية البساطة، مهاراتك موجودة، ما تعتقده حول نظرة الناس إليك ليست صحيحة، لا أحد يطلع على أفكارك، لا أحد يُلاحظ على جسدك أيٍّ من أعراض المخاوف، لا تلعثم، لا رجفة، لا شيء من هذا القبيل، والناس كلهم سواسية – أيها الفاضل الكريم -.

فصحح مفاهيمك حول هذه المخاوف، وأنصحك بتطبيقات اجتماعية معيَّنة، مفيدة جدًّا، أولها: الحرص على الصلاة مع الجماعة في المسجد، ويا حبذا لو كنت في الصف الأول، هذا علاج ممتاز.

ثانيًا: أن تكون لك مشاركة اجتماعية يومية: زيارة صديق، زيارة مريض، الذهاب إلى دعوة، إلى عُرسٍ، أيٍّ من هذه الأنشطة، كلها – يا أخي الكريم – سوف تفيدك فائدة كبيرة.

ثالثًا: حاول أن ترجع بذاكرتك إلى أيامك الطيبة حين كنت في خدمة العملاء، تذكّر تلك المواقف التي كنت تواجه فيها الجمهور، وتقابل فيها الزبائن، وتتحدَّث وتنصح وتُرشد وتُوجِّه وتُساعد، هذه – أخي الكريم – صورة حيَّة يجب أن تنقلها إلى وجدانك وتحاول أن تسترجعها وتُطبق تلك التجارب الإيجابية في حياتك الآن.

رابعًا: الانشغال على مستوى الأسرة، والحيوية الاجتماعية، وأن تكون ذا مبادرات طيبة على النطاق الأسري، هذا أيضًا أمر مرغوب جدًّا ومُهمّ.

طبيعة عملك كسائق تاكسي يجب أن تُشجعك على التفاعل الاجتماعي، فاحرص على عملك، وأرجو ألا تتهرَّب أبدًا؛ لأن أهم شيء في علاج المخاوف المواجهة والتعرض للمواقف الاجتماعية، التهرُّب يؤدي إلى تمكين الخوف والمزيد من الانعزال.

هنالك عدة علاجات دوائية ممتازة، من أفضلها العلاج الذي يُعرف تجاريًا باسم (زولفت)، وهو متوفر في المملكة، ويسمى علميًا (سيرترالين)، الجرعة هي أن تبدأ بنصف حبة (خمسة وعشرين مليجرامًا) تتناولها ليلاً لمدة عشرة أيام، ثم بعد ذلك تجعلها حبة كاملة ليلاً لمدة شهرٍ، ثم تجعلها حبتين ليلاً – أي مائة مليجرام – وهذه هي الجرعة المطلوبة في حالتك، وهي جرعة وسطية، تستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك انتقل للجرعة الوقائية وهي حبة واحدة ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة ليلاً لمدة شهرٍ، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم تتوقف عن تناول الدواء، وهذه هي جرعة التوقف عن الدواء.

الدواء سليم، غير إدماني، ويُعرف بنقائه التام، له آثار جانبية بسيطة، ربما يفتح شهيتك قليلاً نحو الطعام، كما أنه بالنسبة للمتزوجين عند المعاشرة الزوجية ربما يؤخّر القذف المنوي قليلاً، لكنه لا يؤثِّر على الصحة الإنجابية عند الرجل.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً