الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل سيحاسبني الله على بر والدي إذا هو لم يكن بارا معي؟

السؤال

السلام عليكم

أود السؤال عن بر الوالدين الذي أتعبني كثيرا، فقد قرأت في هذا الموضوع ووصلت لنتيجة لا أدري هل هي صحيحة أم لا؟ وهي أنه كما أن هناك بر الآباء فيوجد أيضا بر الأبناء.

سمعت قصة منذ أن كنت صغيرا، وهي أن هناك أبا جاء يشتكي من ابنه بأنه لا يطيعه وغير ذلك، فلما حضر الشاب قال: بأن أباه يضربه في الشارع، وأنه لم يختر أمه، وأنه يهينه دائما، وأن سيدنا عمر لما سمع ذلك هم بضرب الأب.

والدي دائما يهينني ويضربني وأنا صغير إلى أن كبرت، وكان ضربه لسبب وغير سبب، وعندما كبرت قل الضرب ولكن لم تقل الإهانة.

ودائما ما يرى نفسه على صواب، وأنه لا يخطئ، بينما هو شخص سيء لأبعد الحدود، وقد فشلت جميع المحاولات لتغيير ذلك، والله قد أمرهم بأساسيات لمعاملة أولادهم التي تكون نتيجتها بر الأبناء، فإذا فقدت هذه الأساسيات فكيف نطالب ببر الوالدين؟

كما أن الله قال: "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"، وقال: "ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما"، وأنا لا أتعمد رفع صوتي، ولكنه عندما يهين أمي أحاول تهدئة الموضوع، ولكن أبي يستمر في الإهانة فيعلو صوتي، وفي المقابل فإن أبي يضربني ويهينني وأنا مريض جالس على كرسي متحرك، فهل سيحاسبني الله على بر الوالدين إذا كان الأب لم يبر ابنه؟ وإذا كان سيحاسب، فكيف أحاسب أنا وأساس التربية لم يحصل حتى أكون بارا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ahmed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

حق الوالدين حق عظيم على الأبناء، وواجب شرعي، والعقوق لهما كبيرة من كبائر الذنوب مهما حصل منهما في حق الأولاد، فليس البر بهما بمقابل برهما بأولادهما، بل برهما واجب مستقل، وليس على سبيل المعاوضة، لأنهما سبب في وجودك، وقد قرن الله حقهما بحقه سبحانه وتعالى، فقال:﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا﴾.

فلو قصر الوالدان في حق أولادهم فلا يعاملوا بالتقصير مقابل ذلك، بل يجب الإحسان والبر بهما حتى ولو كانا على الشرك، قال سبحانه ﴿وَوَصَّينَا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ حُسنًا وَإِن جاهَداكَ لِتُشرِكَ بي ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تُطِعهُما إِلَيَّ مَرجِعُكُم فَأُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ﴾[العنكبوت: ٨].

فأمر بالإحسان إليهما مع كونهما مشركين، ونهى عن طاعتهما في معصية الله فقط.

والقصة المنسوبة إلى عمر لا يوجد لها سند صحيح، وليس لها وجود في كتب التراجم والتاريخ الموثوقة، فلا يعارض بها ما ثبت بالقرآن والسنة من وجوب البر والإحسان إلى الوالدين مطلقا.

وغاية ما تدل عليه إن صحت أن التربية الحسنة من الوالدين للأولاد توجد أثرا بالغا فيهم، وتجعل منهم أبناء بررة وصالحين بتوفيق الله سبحانه للعبد.

ولكن الاستدلال بهذا على أنه لا يلزم الأولاد بالبر بالوالدين إذا قصروا في تربيتهم غير صحيح.

فننصحك بالبر بوالديك، والإحسان إليهما، والصبر على ما صدر منهما من خطأ وتقصير في حقك.

وننصحك أيضا بالتوبة والاستغفار مما حصل منك في حقهما من عقوق سابق، مع الندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليه مرة أخرى حتى يغفر الله لك ما سلف من ذنوب ومعاصي.

ولا بأس بالنصح والتوجيه والإرشاد لهما بطريقة حسنة لتغيير ما عندهما من أخلاق سيئة، واحتساب الأجر في ذلك.

وفقك الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً