الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشيروا على صديقتي الحائرة لكي أفرح بزواجها قريباً.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سعيدة لتواصلي معكم.

استشارتي تخص صديقتي غير المتزوجة، أعرفها منذ أكثر من 10 سنوات، ولم أر منها إلا كل خير وتقوى، عمرها 33 سنة، مدرسة بالتعليم الخصوصي، متدينة، محافظة على فروضها، وعلى صلاة الفجر خاصة، تقية ونقية، ولا نزكي على الله أحداً.

ترغب صديقتي بالزواج وبتكوين أسرة وأطفال، لكنها تتردد عندما يتقدم لها أي خاطب، وأتعجب من ترددها ذلك، وأحثها على الزواج ليكون لها أطفال.

تقدم لها شخصان: الأول عمره 47 سنة، متدين لم يسبق له الزواج، مستقر بالديار الآسانية، حاصل على على الجنسية هناك، وفي الوقت ذاته وضعه مستقر في بلده الأصلي، هي أخبرتني أنها حينما التقت به، وجرى الحديث بينهما، لم تحس بانجذاب نحوه، وأخبرتني أنها لا تستطع أن تتخيله زوجا لها، بل ظهر لها محترم جدا، لدرجة أنها تفكر فقط في الطريقة التي تخبره أنها ترفضه لارتباطها به، فهي على حد قولها أنها انزعجت من فارق السن بينهما، وبدا لها كأنه رجل مسن، لا يريد سوى الهدوء والركود، رغم أنه أكد لها عكس ذلك، ولا يرغب بالتخلي عنها، لما وجد فيها من صفات حسنة.

الثاني: عمره 33 سنة، أخبرتني أنها أعجبت به لمرحه، ولكنه طلب منها مساعدته في الإنفاق على البيت، ولكنها اشترطت أن تكون مساهمتها بجزء من دخلها، ويبدو أنه تقبل الفكرة.

أخبرتها بأنني ارتحت للشخص الأول أكثر، ولكنها تفضل الثاني، لأنها تريد زوجا يلعب معها، ويكون في عمرها، أما الأول فقد أحست كأنه يعاملها على أنها طفلة، وتخشى ألا يلعب مع أطفالها، علما بأن مستواهما المادي متقارب.

أشيروا على صديقتي الحائرة لكي أفرح بزواجها قريباً.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

جميل منك -أختي الفاضلة- أن تشجّعي، وتعيني وتشيري على صديقتك بالمبادرة إلى الزواج، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، متفق عليه، فحرف (الفاء) يدل على التعقيب أي المبادرة، وحرصك هذا على مصالح صديقتك كحرصك على مصلحتك دليل على حسن دينك وخلقك، وكمال أخوتكِ لصديقتكِ، فبارك الله فيك، وجزاكِ خيرا، وفي الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، متفق عليه.

في الترجيح بين أمرين -أختي العزيزة- كالترجيح بين خاطبين, ينبغي ذكر الإيجابيات والسلبيات لكلٍ منهما, وترتيب الأولويات, ولا يخفاكِ أن معيار الزوج الصالح في الشرع قائم على: (الدين والخلق)، ثم الحسب والمال والجمال في كلٍ من الزوجين اعتباراً لعموم الأدلة الواردة فيهما: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير), وقد نبّه وأباح -صلى الله عليه وسلم- إلى معايير أربعة طبيعية لدى الناس, وهي بالتالي معتبرة في الشرع, لكن معيار (الدين) مقدّم عند التعارض بينها حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (تنكح المرأة لأربع: لمالها وجمالها وحسبها ودينها, فاظفر بذات الدين ترتبت يداك)، فلتكن هذه المعايير على البال.

ولا شك أن ترجيح صديقتك لمعيار (العمر) معتبر أيضاً, لما ذكرته من تحقيقه لمقصد: (تحصيل كمال العاطفة الزوجية وتوابعها), وهو مقصد ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- لجابر في قوله له: تزوجت يا جابر؟ قال: نعم, قال: أثيّباً أم بكراً؟ فقال: بل ثيّباً, فقال: أفلا بكراً تداعبها وتداعبك, أو قال -كما في رواية أخرى- تلاعبها وتلاعبك؟ فاتصاف الزوج بعامل كمال العاطفة الزوجية وتوابعها، ومنها الدعابة والمرح، وخفّة الروح والنفس والظل، كما يقال من المزايا، كما لا يخفى لإدخاله الأنس والسرور على الطرف الآخر، والبيت والأسرة, وهو داخل في عموم معيار (الخلق) من جهة, كما يدخل في مقاصد النكاح التي ذكرتها الآية الكريمة: (لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة), الأمر الذي يجعل ترجيح صديقتك مقدماً على ترجيحك, لا سيما وأنها هي المعنيّة ابتداءً وأساساً في الأمر, وهي الأعلم بنفسيتها إذ تختلف (الفروق الفردية) باختلاف همومهم ومصالحهم ومعاييرهم كما لا يخف، ولذلك أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- جابراً حين ذكر له أن علّة زواجه بالثيّب، مراعاةً لمصالح أخواته الصغار الأيتام، كما أن عامل (غربة الزوج الأول) لكونه مستقراً في اسبانيا، معيب نوعاً ما لكثير من الزوجات، حيث يجعل الزوجين متباعدين؛ مما يعطّل كمال مصالحهما العاطفية والأسرية.

والخلاصة: أنني مع الشكر لكِ حسن أخوّتك لصديقتك, أدعوك إلى تشجيعها، والاقتصار على المشورة عليها, وترك الخيار لها, لا سيما مع المرجّحات السابقة المؤيدة لترجيحها, كما أوصيكما بالاستخارة لله تعالى في القيام (بصلاة ودعاء الاستخارة)، وبالحفاظ على أخوّتكما بمزيد من الإقبال على الله تعالى، والمحبّة والمودة والرحمة، وحسن العهد والوفاء قبل وبعد الزواج.

أسأل الله أن يلهمكما الرشد والصواب، والتوفيق والهدى والمحبّة والسداد, وسعادة الدنيا وكرامة الآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً