الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهلي يشددون علي بمعاملتهم مما جعل صديقاتي يبتعدون عني!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحية طيبة لكم ولموقعكم الفاضل، ونشكر جهودكم الجبارة وآذانكم الصاغية، والرد على تساؤلات الأعضاء.

مشكلتي تبدأ في عائلتي، فأنا فتاة بسن الرشد، لكن للأسف تعامل أهلي معي ينغص حياتي، فهم لا يثقون بي عند الخروج من البيت، ولا يسمحون لي بالخروج وحدي، ويجب أن يرافقني أحد، وأيضا يمنعون زيارتي لصديقاتي، وهذا ما جعل صديقاتي يبتعدون عني، وأصبحت غير اجتماعية لأنني لا ألبي دعوتهم، مما يصيبني بالإحراج.

وعندما أتكلم مع أهلي لا يأخذون كلامي على محمل الجد، ولا يتعاملون معي كفتاة كبيرة، ويعاملونني باستخفاف واستحقار، لأنني بمجتمع يكره الفتيات، ويمنعون عني السفر بتاتاً، لأنهم يَرَوْن أنه مفسدة للفتاة، ولا يسمح لي بالخروج من المنزل إلا بمرافق شخصي.

لقد سئمت من معاملتهم لي، ويقولون لي: عندما تتزوجين افعلي ما تريدين، وإذا طلبت إكمال تعليمي بمدينة غير قريتنا يرفضون أيضاً، ويقولون: ليس لدينا المال، وهو مجرد تحامل لأنني فتاة، فلو كنت ولدا لتغيرت معاملتهم لي.

كيف أكسب ثقتهم وأغير من شخصيتي؟ لقد أصبت بالاكتئاب والانطواء، وأشعر بالحزن على نفسي، وأشعر أنني لم أحقق طموحي، ولا أفعل شيئا مفيدا، فأنا أقضي اليوم في غرفتي بين الجدران، وليس لدي صديقات، فالكل ابتعد عني بسبب شك أهلي، وإبعادهم لي عن زميلات الدراسة، وليس لدي تواصل مع العالم الخارجي.

أشعر بالحيرة والوحدة، أفيدوني بنصحكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمينة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

- لا ينبغي لكِ -أختي الفاضلة- أن تكرهي أهلك، أو تتوهمي كراهيتهم لك وعدم ثقتهم بكِ، أو شكهم في أمانتك وديانتك، وعفّتك وخلقك وقدرتك على تحمّل المسؤولية.

- فكثيراً ما يدفع حب الوالدين المفرط، أو خوفهم المفرط لأبنائهم بما يجعل الوالدين في حالة هوس وهواجس مرضية، تكون لها رد فعل سلبي، وتكون لها آثار سيئة نفسية وصحية واجتماعية في حق أبنائهم.

- وربما كان هذا الخوف الزائد على الأبناء من التعرض إلى المخاطر الخارجية والداخلية، نتيجة عقد أو حوادث وتجارب سيئة مرت بالآباء أو أصدقائهم، أو نمت إلى مسامعهم فتجعلهم في حالة توتر وضغط كبيرين وحرص زائد وفزع وقلق مستمر (فوبيا – رهاب – الخوف على الأبناء)، فيما نسمعه أحياناً من توتر الآباء الزائد لمجرد المرض الطبيعي للأبناء، فيبالغون في الحماية الزائدة والتأمين المفرط لأبنائهم، فيما يتجسد أحياناً في المبالغة في تعقيم ونظافة البيت، والذهاب إلى المستشفيات لإجراء الفحوص، أو حبس الأبناء في البيوت خوفاً عليهم من حوادث السيارات، أو الاختطاف والتحرش، أو الخوف على الفتيات من أن يلحقهم أي أذى، أو سوء وتحرش أو اعتداء؛ فيكون ردّ الفعل مفرطا وسلبيا، حيث تضخّم وتعمم هذه المواقف القليلة، وتدفعهم إلى التشدد والتزمّت، مع أن الواجب توقف الآباء عن هذا الخوف متى ما بلغ الأبناء سناً يكونون فيه أكثر تعقلاً وتحملاً للمسؤوليات والتصرفات، وإدارة شؤون حياتهم، والآباء الأسوياء الناجحون يحسنون الظن بالله، ثم في أبنائهم العقلاء، فيعتدلون في الحب والخوف، ويحيطون أبناءهم بالعناية والرعاية، حتى يجازوا مرحلة الضعف، ويكتسبوا القوة التي يمكنهم بها أن يدفعوا ويدافعوا عن أنفسهم، ويعطون أبناءهم قدراً من الاستقلالية في اتخاذ القرار.

- وغالباً ما تظهر هذه المبالغة من الأمهات نتيجة انشغال الآباء بأعمالهم وبعدهم عن المنزل, أو نتيجة تمسك الأمهات بالأولاد خوفاً من الطلاق، وعدم الركون إلى أزواجهن، أو حرصاً على المقارنة الظالمة بغيرهم، ممن يفضلونهم في المزايا والصفات، وحتى حين يكبر الصغير ويبلغ المرحلة الجامعية, بل ويتزوج ويصير له أبناء أيضاً فما يزال صغيراً في عين والديه المفرطين في الحب والخوف وتستشعر بقاء واجب المسؤولية والحماية لهم، وقد تستمر هذه الحالة بعد زواج الأبناء لاعتقاد الآباء أن أبناءهم ملك لهم.

- لا يدرك الكثير من الآباء مدى التأثير السيئ والمدمر لذلك على أبنائهم، حيث تتشكل شخصيتهم المستقبلية من مرحلة الطفولة، وتؤثر على سلوكياتهم, فمعلومٌ أن "الشيء إذا زاد عن حدّه ينقلب إلى ضده"، فتضعف شخصية الأبناء، وتنعدم ثقتهم في أنفسهم، وتتكون لديهم حالات الاكتئاب والأمراض النفسية -كما هو حالكِ حفظكِ الله-، ويعيق نمو الأبناء البدني والسلوكي النفسي, وقد ينقلون هذه الآفة إلى أبنائهم، لما يظهر عليهم من علامات الرعب في وجوههم وأصواتهم، فيصيبون أبناءهم بالجبن الشديد، والخوف من كل شيء حولهم، ولذلك يقال: "ومن الحب ما قتل".

- ولهذا فإن العلاج يتلخص في ضرورة إدراك الآباء -سلمهم الله وعافاهم- لا سيما الأمهات، خطورة هذه الآفة وأن ما تفعله من إفراط في القلق وإظهاره على الأبناء خطأ شديد -وليس مثالية صحية-، وهو نوع من الوسوسة الصادرة من النفس والشيطان، وضعف ثقة بالله تعالى، لا يقل عن خطأ الإهمال والتقصير في حق أبنائهم, وأن عليها واجب ضرورة محاولة ضبط مشاعرها حتى لا تجعل من حياتها وحياة أبنائها جحيماً لا يطاق، لا سيما الأبناء الذكور, وأن الواجب هو التوسط بين الإفراط والتفريط في القلق والحماية.

- كما يجب عليكِ -ابنتي الفاضلة- تفهّم هذا المرض، وحسن التعامل معه ومعالجته بالتدريج نظرياً عبر الحوار الهادىء، والإقناع العلمي والنفسي، ويمكنكِ الاستعانة بمن تثقين من كبار الأهل والأقارب، ممن يتصفون بالتأثير والمكانة والحكمة, أو المختصين النفسيين لإقناع الوالدين بخطئهما.

- كما قد يمكن معالجة هذه المشكلة عملياً بممارستك لشيء من التمرد العملي شيئاً فشيئاً كالخروج إلى بيت الجارة القريب جداً وهكذا.

- ومن المهم جداً أن توفري في والديك الثقة التامة بكِ، وإثباتكِ بقدرتك على تحمّل المسؤولية، والحماية لنفسكِ, وذلك بالاطمئنان على كمال دينك وعقلك ووعيكِ لإزالة الشبهة والشكوك والوساوس.

- أسأل الله تعالى أن يفرّج همك، ويرزقكِ التوفيق والسداد والنجاح والحكمة، والصواب وسعادة الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً