الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشكو من ألم الصدر الممتد إلى الذراع والفك، فهل السبب نفسي أم عضوي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية أود أن أشكركم على الجهود التي يقدمها موقعكم الرائع، وهذا ما شجعني على تقديم استشارتي، والتي أعلم أنها تشبه الكثير من الاستشارات السابقة والقريبة من حالتي.

عمري 17 سنة ووزني 55 كيلوجرام، منذ شهرين راودتني مخاوف مفاجئة من الإصابة بمرض خطير، وقبلها ذهبت للطبيب، وكنت أعاني من الأملاح الزائدة، وحرقة البول، تناولت العلاج وتعافيت -الحمد لله-، خلال هذه الفترة شعرت بآلام مقلقة، ألم في الرقبة استمر لمدة يومين ثم اختفى، وكنت أشعر بأنني خائف وقلبي مقبوض، ومنذ سنة تقريبا وأنا أعاني من ألم الصدر، وبروز في عظمة القفص الصدري، والألم متقطع وغير ثابت، و-الحمد لله- تمكنت من التعايش معه، شعرت الآن بالألم فخفت لأنه جاء بشكل مفاجئ، وأنا لا أعلم إن كان هو نفس الألم السابق أم تغير؟

قرأت عن أمراض القلب والسرطان، وزادت مخاوفي وذهبت للطبيب للكشف على الصدر، وبعد أن فحصه بنفسه دون أشعة، قال بأنه نتوء عظمي، وعندما سألته عن سبب الألم قال بأنني شخص قلق وأشك كثيرا، لم أقتنع بكلامه، وبدأت أقرأ بشكل كبير عن أعراض النوبات وأمراض القلب، فقرأت عن ألم الذراع الأيسر والذي شعرت به بعد يومين، وليس لدي أي فكرة بأن ألم الذراع الأيسر مرتبط بالقلب، ذهبت مرة أخرى للطبيب، وأجريت أشعة الصدر، وتخطيط القلب، والنتائج سليمة -الحمد لله-.

ما أود الاستفسار عنه:
1- ما سبب الألم الذي أشعر به في صدري وذراعي اليسرى وكذلك الفك؟ وأنا أشعر بالكهرباء في أسناني، فلماذا؟

2- ما طبيعة البروز الموجود عندي، فإلى الآن لم يخبرني أحد بطبيعته؟

3- هل الآلام التي أشعر بها خطيرة أو متعلقة بالقلب؟ علما أنها غير مستمرة ومتقطعة، تحديدا ألم الصدر الذي أشعر به منذ سنة تقريبا، ولا أعلم إن كان الألم الذي أشعر به الآن هو نفس الألم السابق؟ وما هو تفسير ألم الذراع والفك والأسنان؟

الكثير أخبروني بأنها حالة نفسية، ولكنني فعلا أشعر بالآلام، حتى أثناء كتابتي لكم الآن، وأنا خائف لأن جميع الآلام أتت مع بعضها كما قرأت في الإنترنت، أرجو الإفادة، وأنا أثق تمام الثقة بأنكم ستوضحون حالتي.

ملاحظة: طبيب الباطنة أخبرني بأن ضغطي منخفض، ولزيادة التوضيح حول طبيعة الألم الذي أشعر به، فهو يأتي مع الراحة، وأحيانا يزول بعد دقائق، وأحيانا أنام وأستيقظ وأنا أشعر به.

شكرا لكم، وآسف على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ahmed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بالفعل استشارتك ونوع الأسئلة التي طرحتها وشكواك تجدها لدى الكثير من الناس، وترد هنا على الشبكة أسئلة مشابهة كثيرة لاستفساراتك.

من الواضح جدًّا وبما لا يدع مجالاً للشك أن حالتك حالة نفسية مائة بالمائة، وليست عضوية، والخوف من الأمراض أصبح ظاهرة منتشرة، وهذا الخوف قد يكون مصحوبًا بشيء من الوسوسة، قد يكون خوفًا متقطِّعًا، بمعنى أن الإنسان تأتيه هذه النوبات وتختفي، وتزيد الأعراض مع أي نوع من الاستثارة، والاستثارات المعروفة هي القراءة عن الأمراض، السماع عن مريض معيَّن، وأنه قد أُصيب بمرض ما ثم تُوفي.

هذه هي المحرِّكات أو المثيرات لهذه الحالات، وقد يصل الوضع إلى حالة شديدة جدًّا تُعرف بالمراء المرضي، وهو نوع من التوهم الشديد حول الإصابة بمرض.

الأسباب: أهمها أن بعض الناس لديهم قابلية واستعداد نفسي أو وراثي، أو نسبةً لمكوِّنات شخصياتهم، وبما أنهم حسَّاسين ومرهفين ومتخوفين أصلاً فيكونون عُرضة للتخوف من الأمراض. وقد تلعب البيئة دورًا، والبيئة أقصد بها المثيرات –كما أسلفتُ–، فالأمراض قد كثرتْ في زماننا، والسماع عنها جعل البيئة خصبة جدًّا للمخاوف المرضية، كما أن الإنسان إذا قرأ عن مرضٍ معيَّنٍ أو سمع عن مريضٍ معيَّن هنا تزداد هذه الأعراض وتبدأ في الظهور بصورة جليَّةٍ جدًّا.

وهنالك ما يُعرف بالتأثير الإيحائي، أي القابلية الإيحائية، مثلاً أنك ذكرت أنك قرأت عن علامات مرض القلب، وبعد يومين أتاك الألم في الذراع، فهذه ظاهرة معروفة جدًّا، وهي التنبؤ أو التوقع، وهو نوع من التماهي مع المرض.

أيها الفاضل الكريم: أرجو أن يكون هذا التوضيح مفيد بالنسبة لك، وقبل أن أُجيب على أسئلتك أرجو ألا تقرأ كثيرًا عن الأمراض، أرجو أن تعيش حياة صحيَّةٍ: أن تمارس الرياضة، أن تستفيد من وقتك بصورة جيدة، لا تتردد على الأطباء، ارسم خارطة لمستقبلك، وضع الآليات التي توصلك إلى أهدافك وما تتمناه وتصبو إليه.

عليك بالدعاء، وبر الوالدين، والرفقة الطيبة، هذا كله يصرف انتباهك تمامًا عن التوهمات المرضية.

الآن أُجيب على أسئلتك الثلاثة: ما سبب الألم الذي تشعر به في الصدر والذراع الأيسر؟
هذا الألم ناتج عن انقباضات عضلية، لأن التوتر النفسي والمخاوف تؤدي إلى توترات عضلية، وبما أن الخوف كلُّه يتمركز حول أمراض القلب فيكون الألم ناشئ من العضلات والأماكن التي يُعرف أن أعراض أمراض القلب أيضًا تظهر فيها، إذًا هو توتر عضلي.

السؤال الثاني: ما طبيعة البروز لأنه إلى الآن لم يُخبرك أحد طبيعته؟
هذا قد يكون شيئًا طبيعيًا، هنالك اختلافات تكوينية تشريحية بين الناس، وكثير من الناس لديهم بروز في الصدر أو انخفاض في الصدر، فهذا أمرٌ طبيعيٌ جدًّا، وهو مقبول فيما هو طبيعي.

الآلام التي تشعر بها ليست خطيرة، لا علاقة لها بالقلب أو أمراض القلب، وهي آلامٌ نفسية أكثر ممَّا هي جسدية وناتجة من الانقباضات العضلية، عليك بالتجاهل والرياضة، وأن تشغل نفسك بما هو مفيد، بمعنى أن تكون مجتهدًا في دراستك، منظِّمًا لوقتك، وتكون فعّالاً، هذا يؤدي إلى ما يُعرف بصرف الانتباه، بمعنى أن انتباهك سوف ينصرف لما هو أحسن وأفيد، وهذا قطعًا يُقلِّص كثيرًا من الأعراض التي تشغلك، إلى أن تختفي وتنتهي تمامًا.

في بعض الأحيان نعطي بعض الأدوية البسيطة المضادة لقلق المخاوف والوسوسة، لكن في حالتك أعتقد أنه لا حاجة إليها، لأن الحالة بسيطة، والتوجيهات السلوكية التي ذكرناها لك كافية، وفي ذات الوقت نسبةً لعمرك لا نُشجِّع كثيرًا على تناول أدوية نفسية في هذا العمر، إلَّا إذا كانت هناك حاجة شديدة لذلك، ويجب أن يكون تناولها تحت الإشراف الطبي النفسي المباشر.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً