الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صديقي غضب مني بسبب كلمة لم أقصدها!

السؤال

السلام عليكم

أنا مراهق أو شاب في الصف الثالث المتوسط، لدي أكثر من مشكلة.

عندما تخرجت من الصف الأول المتوسط وأتت الإجازة وانتهت، وأصبحت في الثاني المتوسط، انضم طلاب الصف الأول المتوسط للمدرسة، وواحد من هؤلاء الطلاب أحببته، لا أعلم لماذا! أحببته حباً غير طبيعي، وهو حب من قلبي، ربما بسبب براءته، وأنه يذكرني بنفسي، فتعرفنا على بعض، وزادت صداقتنا إلى أن أصبحت شيئاً عظيماً في قلبي!

كنت في الصف الثاني إنساناً صاحباً محتفلاً مرحاً مستمتعاً بالحياة رفقة الأصدقاء إلى أن أتت الاختبارات النهائية، في أحد الأيام قلت جملة لذلك الطالب فلم يفهم معناها، فأتى أحد الأشخاص أكرهه شخصياً، وكنت أراه مجرد عبد في الطريق، قام هذا الشخص الذي كنت أكره وقال: إن الجملة تعني كذا وكذا وكذا، ويشهد الله أن نيتي كانت صافية، ولم أفكر بالأشياء القذرة عندما قلت الجملة له، فاختفت الابتسامة من وجه ذلك البريء، وذهب اليوم الذي بعده لم نتحدث مع بعض إطلاقاً، ووصلنا إلى اليوم الأخير من الاختبارات، وعندما خرجت من الاختبارات وجدته فسألته هل أنت غضبان مني؟ فأجاب نعم، فقلت: لماذا؟ فقال: لا أدري. وذهب، وكنت أريد أن أصلح الأمور لكي لا أفكر بالموضوع طول الإجازة، وأنا بدوري ذهبت للبيت، وبدأت الإجازة، ويومًا بعد يوم أنساه، وبعد أن بدأت الإجازة بشهر ونصف تذكرته فشعرت بضيق وحزن في صدري وقلبي.

عدنا للمدارس ورأيته فزاد الحزن، ولم أتكلم معه، وكنت مستمتعاً بالحياة، وأصحبت هادئاً وبارداً بشكل غير طبيعي، وأصبحت لا أشعر بأي شيء غير الحزن في صدري عندما أراه وأتذكره، وأصبحت أجلس لوحدي، ولا أريد أي شخص بجانبي، وأصبحت أحب الوحدة، فكل شيء أصبح تافهاً جداً بالنسبة لي، إلا ذلك الشخص الذي أحببته من قلبي، لا أعلم لماذا كان مثل الأخ الأصغر لي!

الأمر الوحيد الذي لا أعتبره تافهاً أتمنى أن ترجع تلك الأيام التي كنت فيها مستمتعاً بالحياة، فكيف أتخلص من هذا الحزن؟ وماذا يجب أن أفعل؟

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أيها الولد المبارك- ورداً على استشارتك أقول:

إن الشرع الحنيف قد أمرنا بأن لا نتكلم إلا بالكلام الحسن، لأن ذلك يؤدي إلى فساد القلوب، والتقاطع بين المسلمين، فقال ربنا جل في علاه: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقال: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) والأحاديث في هذا المجال كثيرة منها قوله عليه الصلاة والسلام: (من يضمن لي ما بين لحييه (لسانه) ورجليه (فرجه) أضمن له الجنة) وقال: (من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليقل خيرا أو ليصمت)، وقال ابن عباس: (يا لسان قل خيراً تغنم أو اسكت عن شر تسلم).

قد تكون الكلمة عفوية وغير مقصودة لكن شياطين الإنس والجن يضخمونها ويحورون معناها، مما يؤدي إلى شحن صدر من قيلت فيه، ومنها ما حصل منك تجاه أخيك هذا.

الكلمة مثل الرصاصة إن خرجت لا ترجع، فإما تقتل أو تجرح، فلا تخرج كلمة من فمك إلا بعد أن تعد لها الجواب بين يدي الله، وتنظر مآلها وعاقبتها، وهل هنالك خير منها؟ فإن وجدت خيراً منها فابتعد عن الكلام الحسن وأخرج الأحسن.

الذي ينبغي عليك -أيها الولد المبارك- أن تبادر للاعتذار من أخيك، وتأخذ بخاطره وتبين له أنك لم تقصد المعنى الذي تبادر لذهنه أو أفهمه ذلك الشخص.

أتمنى أن تقدم له هدية رمزية؛ فللهدية عملها في القلوب، فهي تزيد في المحبة وتقرب القلوب، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (تهادوا تحابوا).

ذكره بما في العفو وكظم الغيظ من الفضل والأجر الكبير عند الله تعالى، فلعل ذلك يرقق قلبه.

في حال بقاء أخيك هذا على حاله آمل أن تنظر فيمن يمكن أن يؤثر عليه من زملائه أو أقربائه، فتخبره بما حصل بينكما، وتطلب منه أن يتوسط للصلح بينكما، فمن الناس من عنده القدرة في الكلام والأسلوب على لم الشمل ورأب الصدع.

ادع له بظهر الغيب وألح على الله بالدعاء أن يؤلف بين قلبيكما فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً