الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي على خلاف مع أمي وأخشى أن يتزوج ويتركنا، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

شكرا على إصغائكم الدائم.

عمري 27 سنة، لا أرغب في الابتعاد عن البيت خوفا أن تخطف امرأة أخرى أبي، فوالدي رجل وسيم جدا وطيب وحنون ويحبنا كثيرا أنا وأخواتي، ويعاملنا بطريقة رائعة، وقد حصلت مشكلة بينه وبين أمي في بداية زواجهما بسبب امرأة أخرى حاولت أن تستولي على أبي، وهذه المشكلة سببت لي الكوابيس والخوف منذ الصغر، وجعلتني أتجسس على هاتفه وأراقب تصرفاته وحركاته.

كلما كبرت تكبر المشكلة معي، حيث صرت أحذف كل أرقام النساء اللاتي يعملن معه من هاتفه، وهذا الأمر يضايق أبي فصار يخفي عني هاتفه، علما أن مسألة شكي فيه تجرحه، وأحيانا يتفهم مشكلتي العويصة ويعدني إنه لن يتركنا أبدا، وأن وجودنا في حياته يكفيه، رغم أنه هو وأمي ليسا على وفاق تام ويتشاجران كثيرا، إلا أن الأمور تهدأ بينهما ويتصالحان بسرعة.

ماذا أفعل؟ سيقتلني هذا الألم الذي يعتصر قلبي، صحتي تدهورت، أريد أن أكون دائما قريبة لأصلح الأوضاع بين أمي وأبي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مرام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك – أختي العزيزة – وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع ومحبتك لوالديك وحرصك على وفاقهما واستقرار البيت والأسرة, وحرصك على موافقة الشرع في أمورك ومشكلاتك, سائلاً الله تعالى أن يجمع شمل الأسرة على مودة وخير.

- بخصوص سؤالك - سلمك الله وحفظك ووفقك وعافاك -, فلا يخفى عليك أن مشكلتك النفسية, إنما هي نتيجة خطأ وشبهة علمية في فهم مقاصد الشريعة الإسلامية في تشريع (تعدد الزوجات في الإسلام), هذا الخطأ وهذه الشبهة كرّستها وسائل الإعلام غير المنطلقة عن نصوص وأحكام الشريعة الإسلامية مما أدى إلى هذه المشكلة النفسية, والتي هي عبارة عن خوف متواصل يؤدي إلى الضجر والضيق يُدرك صاحبه غالباً أنه غير منطقي, لكنه لا يستطيع التخلص منه إلا بالخضوع بالعلاج النفسي لدى طبيب متخصص.

- لذا أنصحك بمراجعة استشارية نفسية, وتحديد موعد معها بالحصول على العلاج الدوائي والسلوكي والمعرفي والذي ثبتت فائدته -بإذن الله تعالى-, وعدم التحرج في ذلك؛ فإن النفوس تمرض كما تمرض الأبدان, قال تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون), وفي الحديث: (ما أنزل الله داءً إلا جعل له دواءً..).

- حسبنا ابتداءً في إزالة الوهم العالق في نفسك, بتذكيرك أن والدك – حفظه الله – لا يفكر أصلاً في الزواج على والدتك بأخرى كما وعد, وربما هو دلالة حاله كما هو دلالة مقاله, والأصل أخذ الناس على ظاهرهم, وترك الشكوك والوساوس والأوهام, لاسيما إذا بلغت حد الاعتداء على خصوصياته وحقوقه بالتجسس وسوء الظن, قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا).

- كما أن من المهم إزالة أسباب هذه المشكلة علمياً, بيان الحكم الشرعي في (حكم تعدد الزوجات), بإزالة شبهة خطأ توهم أنه يتضمن الظلم أو التقصير في حق والدتك, ونحو ذلك من المفاسد, حيث لا يخفى إجماع أهل العلم على إباحة تعدد الزوجات بشرط توفر القدرة عليه من الزوج مالياً وبدنياً وأن يعلم من نفسه إقامة العدل بينهم, والزوج المسلم العاقل يحرص على مراعاة غيرة ومشاعر زوجته ونفسيتها وجبر خاطرها عملاً بقوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف), وما يقال عنه من مفاسد نفسية ومادية في حق الزوجة والأبناء والأسرة, فإن ذلك يتنافى مع إدراك أن الله تعالى لم يكن ليشرعه إلا لعلمه سبحانه بأن مصالحه أكبر لمن توفرت فيه الشروط الثلاثة السابقة, فهو يعين الكثير من الرجال على غض البصر وإحصان الفرج والعفّة وإنجاب الأولاد وتحصيل الراحة النفسية لاسيما فيمن يعانون من المشكلات الزوجية, كما أن الزوجة الأولى تقل عليها الأعباء الزوجية, وينبغي لها احتساب الثواب والأجر ومدافعة الغيرة والأنانية ما أمكن, كما أنه يقلل من نسبة الطلاق والعنوسة وحسبنا قوله جل جلاله: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة..), ومن المعلوم واقعاً أن الغيرة تضعف مع مرور الأيام وحسن المعاملة بالتدريج.

- وأما بخصوص المشكلات الحاصلة بين والديك – حفظهما الله – فمن المهم والمشكور عليه ما تقومين به من واجب الإصلاح بينهما, وذلك بأداء النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة لكليهما, إلا أنه من غير المعقول والمنطقي لزومك للبيت والوالدين لضمان حسن العلاقة, كون ذلك قد يعكر على زواجك ونفسيتك وراحتك, كما أن والديك من العقل والعشرة ما يغني عن هذه المبالغة والارتباط البدني والنفسي.

- واستحضري أن الحياة الدنيا, ومنها العلاقات الاجتماعية والحياة الزوجية قد طُبعت على المشكلات ولا بد والمسلم العاقل يستحضر ثواب الصبر على البلاء والإيمان بالقدر والرضا بالقضاء, كما يحرص على مواجهة مشكلاته بحسن الظن بربه وتعزيز الثقة بنفسه والاستعانة بالله والتوكل عليه (ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب * ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا) وفي الحديث الصحيح: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) رواه مسلم.

- أوصيك بلزوم الأذكار, ومنها أذكار الصباح والمساء, والمحافظة على الصلوات فرائضها ونوافلها لاسيما قيام الليل وكذا المحافظة على الأذكار وقراءة القرآن والاستماع إليه, فإن ذلك مما يريح القلب ويشعرك بالأمان والراحة النفسية ويصرف عنك الخوف والمنغصات وكل مزعجات الحياة.

- ومما يسهم في طرد المشاعر السلبية أيضاً محاولة التنفيس عن خوفك بلزوم الصحبة الطيبة, وذلك بالحديث مع الشخص أو الأشخاص القليلين الذي تثق وتطمئن إلى دعمهم وحكمتهم والذين يحرصون على نصحك وتذكيرك بالله والحكم الشرعي وثوابه واصطحابك لرياضة المشي والتنزّه ونحو ذلك.

- ولا أجمل وأعظم من اللجوء إلى الله تعالى بخالص الدعاء والابتهال إليه متحيّناً أوقات الإجابة كالدعاء في جوف الليل وفي الصلاة وأدبار الصلوات المكتوبة, كيف لا؟ وقد قال تعالى: (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) (وقال ربكم أدعوني أستجب لكم) (وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ) وفي الحديث: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء).

أسأل الله أن يفرّج همك ويكشف غمّك ويتولّى أمرك ويشرح صدرك ويقوّي إيمانك وعزيمتك, ويجمع شمل والديك والأسرة والبيت على سكن ومودة ورحمة وخير ويرزقكم سعادة الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً