الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمكن لأفعالي وتصرفاتي أن تغطي على تفكيري وقناعاتي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا صاحب الاستشارة رقم: (2367782) أود أن أصف لكم حالتي العامة، وأود أن أحدد لكم أغلب الأعراض.

أنا -والحمد لله- إنسان طبيعي لدي علاقات طيبة مع الناس، وشخصيتي محبوبة عند أهلي، ولست عصبيا ولا عنيفا، مستواي الدراسي جيد، ولياقتي البدنية طبيعية، ولا أعاني من أي مرض عضوي بفضل الله تعالى، كما أنني أحسن التصرف، ويعتمد علي في مشاغل الحياة، ولدي رفقة صالحة، ومحافظ على الصلاة، ولا يبدو علي أي تغيير من الخارج، فكل من يراني لا يرى أي مشكلة بي -والحمد لله- على كل حال.

المشكلة الرئيسية تكمن في داخلي توجد في عقلي تضاربات داخلية أجد نفسي مصدقا لها، ولا أعلم لماذا لا أعلم، كيف أصفها، هي فقط تبعث شعورا غريبا، لا أشعر بالطمأنينة ولا بالسكينة، لا أكاد أجزم أنها أفكار أو تساؤلات هي فقط إحساس وشعورا داخليا، وقد وضحت لكم في استشارتي السابقة ما عانيته من مخاوف، ولكن حين فكرت في الأمر وجدت نفسي لا أدرك ما شعرت به في السابق.

المهم أن ما أعاني منه هو عبارة عن شعور بالاستثنائية والتميز عن الناس ليس بالإيجاب ولكن بالسلب (مثل لماذا أنا من بين الناس) صرت استغرب من التفكير، أو معنى التفكير وأستغرب من المفاهيم التي يدركها أي إنسان عادي، وصرت أستغرب من الوجود والحياة، وقناعاتي الداخلية لم أعد أشعر بها، ولا أعلم معنى القناعة أصلا، ويأتيني شعور بالرفض لبعض الأمور الدينية والعقائدية التي لا أريد أن أذكرها، وعدم الانقياد لها مع أن الجميع يدرك أنها صحيحة ومنطقية، ولكني أشعر برفضي للمنطق، كما أنني أصبت نوعا ما بتبلد المشاعر فلم أعد أعرف الفرح أو الحزن أو الغضب أو المتعة، وأني كما ذكرت لكم اختلط عندي المفهوم، وأشعر أني استثنائي، ومرات تذهب بي خيالاتي بعيدا، ولا أستطيع إيقافها وهكذا.

قرأت كثيرا عن المشاكل النفسية والاضطرابات العقلية فتعرفت على الوسواس القهري والقلق والاكتئاب واختلال الآنية وغيرها، كما تعرفت أيضا على الاضطرابات الذهانية والفصامية، وقرأت عن معاناة الكثير من الأشخاص على أمل أن ألقى حالة تشبهني، ولكني لم أجد ما يملأ قلبي بالطمانينة، أدرك تماما أني كنت طبيعيا في ما مضى، وهذا ما جعل في نفسي بعض الأمل أن أرجع لسابق عهدي.

بالنسبة للأعراض الجسدية فهي متمثلة في الصداع المتقطع، وعدم الارتياح في منطقة البطن، مع قلة خروج الغازات، وإمساك، ولكنه ليس مزمنا مع أرق احيانا، وعدم الرغبة في البكاء على عكس بعض الناس الذين قرأت عنهم.

سؤالي هو: هل مرت عليكم حالات مشابهة لحالتي؟ وما هو تشخيصها؟ وهل يمكن لأفعالي وتصرفاتي أن تغطي على تفكيري وقناعاتي؟

أعتذر عن الإطالة، وأتمنى أن أجد عندكم ما يريحني، وجزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك مرة أخرى في الشبكة الإسلامية، أنا أؤكد لك أنني قد تدارست رسالتك بكل دقة، وفي ذات الوقت أؤكد لك أن حالات مشابهة لحالتك قد مرت علينا، أما في العيادات أو من خلال تدريبنا للأطباء، أو حتى على مستوى الاستشارات التليفونية، أو التي نقدمها في الشبكة الإسلامية، كل الأفكار التي تحدثت عنها والتناقضات والتضارب وعدم القدرة على تحديد نقطة مركزية لأفكارك ومحتواها وعدم شعورك بالطمأنينة والسكون والسكينة، هذا كله دليل على وجود الوسواس القهري، الوسواس القهري له عدت أنواع، وليس من الضروري أن تكون الصورة الإكلينيكية هي الصورة المثالية المعروفة.

فالشعور بالتضارب في الأفكار وتداخلها وعدم وضوحها وهلاميتها وما يصاحبها من قلق وشعور بعدم الارتياح هو من صميم الوساوس القهرية، -والحمد لله- وساوسك منحصرة في هذه الظاهرة الفكرية النفسية، ولا توجد لديك أي نوع من الطقوس أو الأفعال القهرية، ولذا أقول لك أن الدواء سيكون هو العلاج الرئيسي في مثل هذه الحالات، وأنا وصفت لك مسبقاً في الاستشارة السابقة والتي رقمها (2367782) وصفت لك عقار سيرترالين، وهو دواء متميز لعلاج مثل هذه الحالات وأنا لا زلت عند رأيي أنه سيكون مفيداً ومفيداً لك جداً، وإن تمكنت أن تذهب إلى طبيب نفسي، فهذا أيضاً أمر جيد.

الأعراض الجسدية المتمثلة في الصداع المتقطع وعدم الارتياح في منطقة البطن، والتي غالباً ما يكون ناشئاً من توتر عضلي، مع قلة خروج الغازات، والإمساك هذه كلها أعراض النفسوجسدية والقلق أيضاً يلعب دوراً فيها، وأعتقد أن ممارسة الرياضة بانتظام مع تناول السيرترالين، والحرص على أخذ قسط كاف من الراحة ليلاً سيساعدك في التخلص من هذه الأعراض.

سؤالك: هل يمكن لأفعالك وتصرفاتك أن تغطي على تفكيرك وقناعاتك؟ التفكير والقناعات في حالتك لن تخرج من الحيز الفكري الوجداني الداخلي الخاص بك، ولم تنعكس عليك كتصرفات، وهذا أمر جيد؛ لأن تصرفاتك كما تفضلت في الفقرة الأولى من استشارتك هذه أوضحتها بصورة جلية أنك -الحمد لله تعالى- طبيعي بل متميز في كثير من الأمور، إذاً الوسواس يظل داخلياً وفكرياً ولن ينعكس عليك وعلى تصرفاتك؛ لأنه لم يظهر في شكل أفعال أو اندفاعات.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً