الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صرت معروفا بين الناس بعيني التي تصيبهم بالشر، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا معروف بين الناس بالعين، أي حسود، حيث إني كلما نظرت إلى شيء بفخر أو إعجاب أو فرح انقلب لشر، والناس يسخرون مني.

يعلم الله أني لم أحسد إنسانا قط علي أي شيء، وهذا الأمر يؤثر على حياتي، وحتى إخوتي لا أستطيع أن أقيهم من شر عيني، علما أني أتبع كلامي دائما بـ (بسم الله ما شاء الله) (ومن شر حاسد إذا حسد) وكل ما أعلمه أو قرأته بشأن الحسد، ولكن بلا جدوى.

أرجوكم ساعدوني، فالجميع بدأ ينفر مني، وصرت أطلب منهم عدم إخباري بما يفرحهم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وليد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك – أخي العزيز – وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, وصراحتك وصدقك في الحق وحرصك على الخير ودفع أسباب الشر عن نفسك وعن غيرك, سائلاً الله تعالى أن يعافيك ويحفظك ويحفظ المسلمين من كل سوء ومكروه.

لا يخفاك – حفظك الله وعافاك – أن الحسد محرم شرعاً, وهو من كبائر الذنوب, كما وهو أول ذنبٍ عُصي الله تعالى به, كما فعل إبليس مع أبينا آدم عليه السلام, وحمل قابيل على قتل أخيه هابيل, وهو علّة تكذيب الأُمم للأنبياء عليهم الصلاة والسلام, كما فعلت اليهود مع نبوّة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

- والحسد: هو تمنّي زوال النعمة والخير عن الغير, وله تأثير سلبي سيء على كلٍ من الحاسد والمحسود, ولذلك فقد أُمرنا بالاستعاذة من شرّه, قال تعالى: (ومن شر حاسدٍ إذا حسد), ومعنى الاستعاذة : دعاء الله تعالى أن يحمينا ويعصمنا من الشر.

- ويجب على كل مسلم اعتقاد أن الأمور لا تضر بطبعها, وإنما هي أسباب فحسب, والمؤثر على الحقيقة هو الله تعالى, فلا تأثير ولا نفع ولا ضرر إلا بمشيئته وإذنه سبحانه, فهو إن شاء جعل الأمور تتحقق أو تتخلّف (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله).

- وقبل اتهام نفسك – أخي العزيز – بالحسد, فإن الواجب عليك أمران:

1- أن تتأكد من عدم احتمالية أن يكون السوء لأسباب واقعية وعملية أولاً, لا إلى توجيه التهمة إلى العين, حيث يُحتمل أن يكون اتهامك لنفسك صادراً عن وسواس وسوء ظن لا يمُتْ إلى الحقيقة والواقع بصلة, فما يلبث حتى يتحوّل الوسواس إلى ظن ثم إلى حقيقة ومعتقد بغير دليل وبرهان.
2- ثم إن تتثبّت من توفر هذه الصفة السيئة فيك, فما كل شيء نظرت إليه بإعجاب واستحسان فإنك تصيبه بالعين, فكل الناس يُعجبون بأنفسهم وأطفالهم وأموالهم وأهليهم وغيرها, ولذلك لا تؤثر العين إلا إذا كانت النظرة مشوبة بكراهية الخير للغير وبخبث في الطبع.

- فالحاسد – أخي العزيز – شخصٌ لا يحب الخير لغيره من مال أو جاه أو جمال أو غيره, وفي الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

- وهو ضعيف الإيمان بأقدار الله وحكمته وعدله ورحمته، (أهُم يقسمون رحمة ربك نحنُ قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات).

- كما وهو ضعيف القناعة والرضا بما أعطاه الله وما أعطاه للناس, كما قال تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله).
- والحاسد أيضاً ضعيف الثقة بالنفس, فبدلاً من أن يحرص على الكد والسعي لتحصيل المصالح, إذا هو يحرص على ما في أيدي الناس من الخير.

- وفي سبيل التخلص من هذه الآفة الخطيرة, فإن الله تعالى قد أرشدنا إلى الاستعاذة به سبحانه, كما دلّت النصوص على ضرورة المحافظة على الرقية للنفس وللغير, وذلك بلزوم الأذكار والأدعية وقراءة القرآن, كما ورد في القرآن أن يرقي الإنسان ماله بقوله : (ولو لا إذ دخلت جنّتك قلت ما شاء الله لا قوّة إلا بالله), وأن يرقي غيره بالتبريك عليه, حيث صح قوله صلى الله عليه وسلم : (أفلا برّكت)؟!, أي دعوت له بالبركة, فتقول : ما شاء الله بارك الله.

- ومن أحسن الرقية قراءة سورة الفاتحة وآية الكرسي والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة, وقراءة سور الإخلاص والمعوذتين, والمحافظة على أعمال اليوم والليلة, وأذكار الصباح والمساء.

- ومنها قول : (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم), و(أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) تقول ذلك ثلاثاً.

- ويجب على العائن أن يتوضأ بماء في إناء ليغتسل منه المعين (وهو الذي أصابته العين).

- فأوصيك بالمحافظة على الدعاء والأذكار والطاعات وقراءة القرآن, وتنمية الإيمان بالله تعالى, وبالقدر خيره وشرّه من الله تعالى, والرضا والقناعة بما أعطاك الله وأعطى الناس, وحسن الظن بالله تعالى, وتعزيز الثقة بالنفس, وعرض نفسك على أحد الرقاة من أهل العلم والفضل, ولا بأس بمراجعة طبيب نفسي مختص.

- كما ويُستحب للعائن البعد عن أسباب الطمع, وعلى المعيون عدم إظهار النعم ما أمكن إلا حال الحاجة, كما قال يعقوب لأبنائه : (لا تدخلوا من بابٍ واحد وادخلوا من أبواب متفرقة...).

- وإذا ثبت توفر هذه الصفة فيك بغير رضاك, فاعلم أنك معذور لا إثم عليك ؛ لقوله تعالى : (لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها.. ربنا ولا تحمّلنا مالا طاقة لنا به).

أسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويعفو عنك ويسلمك من كل سوء ومكروه, وينير عقلك ويزكي نفسك ويطهِّر قلبك ويغفر ذنبك ويشرح صدرك وييسر أمرك ويوفقك إلى ما يحبه ويرضاه ويرزقك سعادة الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً